ثماني وعشرون محاضرة ألقاها الأستاذ سيد علي الحسيني الخامنئي في شهر رمضان عام 1394هـ، أي قبل أكثر من أربعين عامًا، تناول فيها أهمّ ما تحتاجه الساحة الإسلامية من أفكار ومفاهيم من منطلق قرآني.
كان الأستاذ المحاضر يلقي محاضراته في مسجد «الإمام الحسن» بمدينة مشهد. وبعد المحاضرة يتلو أحد القرّاء ما دارت حوله المحاضرة من آيات. لم يكن يجلس على منبر كما هو المعتاد في دروس المساجد، بل كان يقف أمام المجتمعين. ولم تكن المحاضرات جديدة في طريق إلقائها فحسب، بل كانت تحمل مفاهيم، وتتجه نحو مقاصد جديدة كل الجدّة عن الساحة الإيرانية آنذاك. والذين حضروا تلك المحاضرات يتحدثون بإعجاب واستغراب عن انشداد أهالي مدينة مشهد، وخاصة فئة الشباب، إلى مسجد الإمام الحسن أثناء الإلقاء، فالمسجد يغصّ بهم بل ويغصّ المرآب الموجود خلف المسجد بمستمعين من الرجال والنساء ومن فصائل مختلفة.
ويتحدث الناشر (صهـبا) عن الجهود المبذولة من أجل الحصول على أشرطة تسجيل تلك المحاضرات، وطباعتها في كتاب يحمل عنوان: «مشروع الفكر الإسلامي في القرآن»، وعن مزايا الكتاب، وعن قدرة الأستاذ المحاضر على إلقاء مفاهيم القرآن الحضارية الاستنهاضية بأسلوب ذكي يبعد عنه شرّ جلاوزة نظام الشاه الاستبدادي المعادي لكل وعي إسلامي. لكن النظام تفطّن بعد ذلك، فألقى القبض عليه وساقه نحو أفظع مراكز التعذيب آنذاك المسمى «اللجنة المشتركة ضد التخريب».
جدير بالذكر أن هذه المحاضرات قد ترجمت بحذافيرها جملة بجملة في بيروت. وتولى الترجمة الأستاذ القدير عباس نور الدين ونشرت تحت عنوان «الفكر الإسلامي على ضوء القرآن الكريم» بواسطة دار المعارف الحكمية.
لأسباب عديدة وجدنا من الضروري إعادة الترجمة، مراعين فيها عدم التكرار الذي يصاحب عادة المحاضرة الارتجالية العامّة، ومراعين فيها أيضًا أنَّ مخاطبنا عربي، وكذلك الوضوح في العبارة، ومجتنبين ــ فيما نظن ــ بعض الهفوات في الترجمة السابقة، ويبقى الفضل لمن سبق.
نرجو أن يلقي هذا التعريب الضوء على جانب من تاريخ الفكر النهضوي في إيران، وأن يكون إثراء لمشروعنا المستقبلي في بناء «الحضارة الإسلامية الحديثة» وبالله التوفيق.