18 رمضان المبارك 1394 هجرية – 1353/7/13 هجرية شمسية
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَیِّنَاتِ وَ أَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَ الْمِیزَانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنزَلْنَا الْحَدِیدَ فِیهِ بَأْسٌ شَدِیدٌ وَ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَ لِیَعْلَمَ اللهُ مَن یَنصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَیْبِ إِنَّ اللهَ قَوِیٌّ عَزِیزٌ) (الحديد/ 25)
وصلنا في سلسلة أحاديثنا عن النبوة إلى أن النبي حين يبعث يدخل الساحة الاجتماعية، ويحدث فيها نهضة كما حدثت في داخله، ويوجد فيها تحولًا وتغييرًا. وفي هذه الجلسة نريد أن نفهم الهدف والمقصد من هذا التحول، وبشكل عام نريد أن نوضح الهدف وراء سعي الأنبياء.
للأنبياء هدف أصلي، وفي طريق تحقيق هذا الهدف الأساس ثمة أهداف أخرى، وبين هذه الأهداف الأخرى هناك هدف أهم من غيره.
أما الهدف الأصلي والأساس للأنبياء هو إيصال الإنسان إلى الدرجة المقدّرة من سموّه وكماله. الإنسان موجود يمتلك طاقات وكفاءات وقوى كثيرة يستطيع بها أن يبلغ مرتبة أسمى وأعزّ وأشرف مما هو عليه.
الإنسان منذ ولادته في حالة تكامل مستمر. هذا التكامل مشهود في ظاهر جسمه. الطفل الوليد يفتقد كثيرًا من خصائص الإنسان الكامل. يفتقد الأسنان ويفتقد اليد القوية والفك القوي، ويفتقد القدرة على المشي، ويفتقد الجهاز الهضمي الذي يستطيع أن يستقبل من الطعام ما يأكله الكبار، ويفتقد الدماغ القوي والأعصاب القوية. وبعد مدة يحصل له ما كان يفتقده، لم يأت إليه شيء جديد من الخارج، فيده نفسها تصبح قوية، وفكه نفسه يصبح قويًا، ورجله نفسها تصبح قوية قادرة على المشي، وهكذا أجهزته الداخلية هي نفسها لكنها تكتسب قوة من بعد ضعف. قابلياته وقواه الكامنة تظهر بمرور الزمن بعد توفر الظروف الخاصة. فيه قابلية النطق ثم بعد ذلك يصبح قادرًا على النطق، فيه قابلية الفهم والتفكير وأن يكون عالمًا ثم بعد ذلك تتحول هذه الكفاءات بالقوة إلى الفعل. فالإنسان يتكامل باستمرار.
هذا بالنسبة إلى الجسم الظاهري للإنسان. هذا الأمر نفسه يصدق على الجوانب المعنوية والروحية والفضائل الإنسانية. ففي الإنسان يكمن عالم من الكفاءات في هذا المجال. إنه منجم غني ثريّ إذا استخرجته ستجد فيه شيئًا كثيرًا، وإذا لم تستخرجه سيبقى دونما ثراء ولاعطاء ولاجمال.
أشبّه ذلك بالموازائيك الذي يستعمل في تزيين البناء. حين يوضع في قوالب ويُفرش لا ترى فيه أي جمال. سطحٌ مُعتِم خالٍ من الألوان والنقوش. ولكن بعد ذلك حين يُصقل ترى زوال العُتمة وظهور ألوان جميلة ونقوش خلابة. وما كان بالإمكان ظهور هذه الروعة إلاّ بعد الصقل المتواصل.
كل إنسان ينطوي على هذا المنجم الغني، وهذه الصور الجميلة من الفضائل الإنسانية. كما يقول الشاعر الفارسي سعدي الشيرازي:
طيران مرغ ديدي، تو ز پايبند شهوت بـه در آي تا ببيني طيران آدميت
أرأيت تحليق الطيور؟! أنت أيضًا تحرر من قيود الشهوه كي ترى طيران الإنسانية
لقد قال لنا القدماء بلغة الشعر وبلغة العرفان ــ وقولهم صحيح ــ إن الخصائل الإنسانية ترفع الإنسان فوق مستوى الملائكة، وتصيّر من الإنسان منبعًا متدفقًا من المحاسن والجمال ومن الكفاءات والطاقات المتفجّرة بعد كمونها، أي تجعل منه إنسانا متكاملًا متساميًا.
وهذا هو هدف الأنبياء. وهذا هو معنى التزكية والتعليم في أهداف الأنبياء. إنه تطهير الإنسان من الصفات الرذيلة والأهواء ومن الخصال الحيوانية المتوحشة. لا يمكن أن نطلق اسم الإنسان على أولئك الذين يمارسون أعمال الذئاب والكلاب بينما ظاهرهم كظاهر البشر. ليس بإنسان ذلك الذي يتلذذ بسفك الدماء ويتسلّى بإزهاق الأرواح، ولا يتألم لآلام الناس ومِحَنهم وأحزانهم. ليس هذا بإنسان مهما كان ظاهره، حتى ولو امتلأ علمًا وثروة وقوة. أن تكون إنسانا شيء وأن تكون عالمًا أومقتدرًا أو ثريًا أو متحليًا بظاهر جذّاب شيء آخر.
الأنبياء يأتون لتطهير الإنسان، لا ترون في ساحة الأنبياء أثرًا للسَبُعية والحيوانية والوحشية، ساحة الأنبياء ساحة نور وصفاء وإنسانية، وهذه معجزة النبوة. قد نبحث عن معاجز النبوة في الأعمال الخارقة للطبيعة، لكن المعجزة الكبرى للأنبياء هي صناعة الإنسان المتحلّي بالفضائل.
حين ننظر إلى المجتمع الذي ظهر فيه النبي الخاتم نرى ذلك الفسيفساء المعتم القبيح قبل صقله. وبعد أن تعمل النبوة صقلَها فيه يتحول ذلك الكائن البشري البدوي الجافي إلى إنسان عظيم.
الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري كان قبل الإسلام مثل أبناء جلدته رجلًا يألف حياة البداوة الجافية الخشنة، مثل هذا الإنسان لا يأبه به عادة أولئك الذين يدّعون أنهم مصلحون، ولا يعيرونه أهمية، بل يتعالون على أمثال هؤلاء. لكنّ رسول الإنسانية حوّل هذا الرجل الجافي الحافي إلى إنسان تجتمع فيه الفضائل الإنسانية كلها. ذاب في هدفه الرسالي، وأصبحت جميع نشاطاته تدور حول الرسالة لا حول «الأنا».. هذه الأنا التي تدور حولها مصالحنا. نريد كل شيء لنا ولأبنائنا وسُمعتنا ودكّاننا. أبو ذر ضحى بهذه الأنا من أجل هدفه الكبير. لقد صقلته الدعوة النبوية فخرج بعدها إنسانا مصقولًا مضيئًا ساطعًا. وهذا هو هدف النبوة.
الهدف النهائي من أي نشاط إنساني هو الذي يحقق الغرض من ذلك النشاط. لو أراد أحد أن يَبني مسجدًا فلابدّ أن يفكر في النتيجة النهائية من هذا العمل، لابدّ أن يفكّر في الهدف الرسالي الكبير من وراء هذا العمل، لا أن يكون هدفه محدودًا بأداء طقوس العبادة دون أن يكون وراء هذه العبادة تحقيق هدف كبير.
المدارس المادية التي تدّعي أنها تستهدف إقامة مجتمع الرفاه والعدالة، لا تستطيع أن تقدم للإنسان هدفًا كبيرًا وراء إشباع متطلباته المادية. المدرسة الإلهية تستهدف أمرًا أسمى من الاحتياجات المادية. هذه الاحتياجات هي شأن أي كائن بشري. وهدف الأنبياء تحويل هذا الكائن البشري إلى «إنسان».. إنسان يتكامل باستمرار، ولا يتوقف عند مرحلة من مسيرته نحو الكامل المطلق: (إِنَّا لِله وَ إِنَّا إِلَیْهِ رَاجِعونَ)، والأنبياء جاءوا لتحقيق هذا الهدف.
الأنبياء جاءوا لينقذوا البشر من الدناءة والجهل والرذائل الأخلاقية، من ضمور الكفاءات الداخلية، وليجعلوا منه إنسانا متكاملًا متساميًا، وهذا الهدف يرد مرارًا في القرآن الكريم من مثل قوله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِینَ إِذْ بَعَثَ فِیهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ یَتْلُو عَلَیْهِمْ آیَاتِهِ وَ یُزَكِّیهِمْ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ) ورسول الله(ص) يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
هذا هو الهدف الأول، أما الهدف الثاني فهو أهمّ. يكثر الحديث حول الهدف الأول، ويكرر بعضهم الكلام عن التهذيب والتزكية. ويرى بعضهم أنه وجد الطريق إلى تحقيق هذا الهدف. يرى أن ذلك يتحقق بالعزلة عن المجتمع وضجيجه وضوضائه، واللجوء إلى صومعة يشتغل فيها بالرهبانية، وأكثر ما يفعله أنه يقدّم النصح لمن له قابلية الاتعاض!!
هذا الكلام ينطلق من رغبة في الكسل والتقاعس وطلب العافية وتوخّي الأسهل في الأمور. بعض المتصدين للإرشاد والتعليم يلتذون بهذه الأحاديث، لأنها لا توقعهم في مشكلة ولا توقع الآخرين في مشكلة. ويرون أن التهذيب والتزكية عملية سهلة، وهي في الواقع ليست بالعملية السهلة كما سنرى.
نعم، الهدف الأول للأنبياء هو التهذيب والتزكية، ولكن السؤال الأهم هو: كيف مارس الأنبياء نشاطهم لتحقيق هذا الهدف؟ هذا هو الذي لا يدور حوله الكلام. هل إن الأنبياء اتصلوا بالأفراد واحدًا واحدًا، وأخذوهم إلى خلوة أو زاوية ليعلّموهم ويربوهم؟ هل هم مثل أصحاب الزوايا جلسوا في مكان ليأتي إليهم الناس ويسترشدوا بهم؟ هل فتحوا مدرسة ووضعوا عليها لافتة كي يأتيهم من يريد أن يستزيد من علمهم؟ لا ليس هذا عمل الأنبياء ولا السائرين على طريق الأنبياء، وسنوضح ذلك عند حديثنا عن الإمام جعفر بن محمد الصادق. لم يكن عمل الإمام الصادق مقتصرًا على اعتلاء منبر الدرس والوعظ وأن يجلس تحت منبره أربعة آلاف طالب كما يروي ابن عقدة الرجاليّ المعروف، لم يكن هذا دأب الإمام الصادق ولا دأب جدّه رسول الله ولا الأنبياء. الأنبياء والسائرون على طريقهم كان لهم جواب واحد في كيفية تهذيب الإنسان وتزكيته وفق الأسلوب الإلهي الصحيح. وهو: إيجاد الجوّ الاجتماعي المناسب والملائم للتربية. لو كان عمل الأنبياء هو تربية الأفراد واحدًا واحدًا لما استطاعوا خلال عمرهم أن يغيّروا المجتمع. إذن لابد من نظام قادر على صنع الإنسان المطلوب. الإنسان مثل شجرة مثمرة لا تؤتي أُكُلها إلاّ في ظروف مناخية خاصة وتربة خاصة. فنخيل التمر تثمر في بيئة خاصة، وإذا أردت أن تزرع النخيل في تربة وبيئة لا تناسب إثمار التمر فإنك لا تحصل على شيء، وإذا جهدت نفسك في الحصول على ثمرة في تلك البيئة غير المناسبة فقد تحصل على تمرة أو تمرتين. لماذا إذن لا نتوجه في الإثمار إلى البيئة المناسبة لنحصل لا على تمرة أو تمرتين بل إلى أحمال من الرطب.
العمل الفردي في الإصلاح يؤدي إلى استقامة فرد أو فردين، والعمل الاجتماعي يؤدي إلى إصلاح مجتمع بملايين أفراده وإلى إصلاح أجيال متوالية.
ما نفهمه من القرآن الكريم أن سيرة الأنبياء في صناعة الإنسان هي خلق المجتمع الإلهي، المجتمع التوحيدي، خلق الجوّ المساعد على دخول الناس في دين الله أفواجًا: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَ الْفَتْحُ # وَ رَأَیْتَ النَّاسَ یَدْخُلُونَ فِی دِینِ اللهِ أَفوَاجًا).
النبي في المرحلة المكية كان من الطبيعي أن يبدأ بتغيير الأفراد فردًا فردًا كي يكونوا حجر الزاوية في المجتمع المستقبلي، هذا لا يتعارض مع هدف الأنبياء. لقد صنع الجماعة الأولى من الصحابة ليكونوا قاعدة المجتمع المدني المطلوب، أي المجتمع التوحيدي والإسلامي. كان الأمر في مكة صعبًا بسبب عراقيل البيئة، البيئة العائلية الجاهلية والبيئة القبلية الجاهلية، لكن المرحلة المدنية هي مرحلة دخول الناس في دين الله أفواجًا، حين أقيم المجتمع الإلهي والإسلامي في المدينة، وأصبح النبي قائدًا لذلك المجتمع، يحكم فيه بتعاليم الدين المبين.
إذن للأنبياء مهمتان: صناعة الإنسان وتحريره من الدنايا وجعله متخلقًا بالفضائل الإنسانية، والهدف الثاني إقامة المجتمع التوحيدي والنظام الإلهي، ومن يُخيل إليه أن هدف الأنبياء لم يكن على هذا النحو فليُمعن النظر في آيات القرآن والحديث والتاريخ.
نذكر آيتين في هذا الصدد من جملة آيات كثيرة في كتاب الله العزيز تؤيد ما ذهبنا إليه، والآيتان تحتاجان إلى قَدَر من التأمل والتدبر. الآية الأولى من سورة الحديد، أذكرها مع شيء من التوضيح:
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَیِّنَاتِ) بالحجج البينة الواضحة التي يدركها كل عاقل.
(وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ) والكتاب كما ذكرنا مرارًا يعني مجموعة المعارف والتعاليم التي تشكل أصل الدين. الكتاب جامع لمنظومة الفكر الإسلامي التي لها أثر عملي ملموس وفاعل.
(وَ المِیزانَ) هو جهاز التعادل والتوازن في المجتمع. وهذامؤشر على الدور الاجتماعي للنبي، ولو لم يكن له مثل هذا الدور لما احتاج إلى ميزان يستطيع به أن يقيم التعادل والتوازن في المجتمع. والميزان يمكن أن يجد مصاديقه في الجهاز القضائي وفي الجهاز التنفيذي الذي يضمن التنفيذ ويشهد على الإجراء.
راجعت الأحاديث التي تتصدى لذكر معنى «الميزان» فرأيت فيها عبارة: «الميزانُ هو الإمام» ونفهم من هذا النص أن الميزان هو الإمام الذي يميز الحق من الباطل في المجتمع، ويقيم التوازن والتعادل فيه، إذ هو الحاكم في المجتمع. ولماذا أرسلنا الرسل والكتاب والميزان؟
(لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) أي ليُقيم الناس المجتمع العادل، أو ليعيش الناس في مجتمع عادل، وكلا المعنيين واحد. النبي جاء ليقيم مجتمعًا يحكمه نظام عادل، وليستتبّ العدل في المجتمع، ولتتوفر للناس في ظل هذا المجتمع فرصة التكامل والسمو. ثم بعدها تقول الآية:
(وَأَنزَلْنَا الْحَدِیدَ) لمواجهة الشياطين والذئاب المفترسة، وللدفاع عن القيم الأساسية. وراجعنا ما ورد من حديث بشأن معنى «الحديد» فوجدنا مفردة «السلاح». فالله سبحانه وضع الحديد إلى جانب دعوة النبوة. وضع السلاح وممارسة القوة إلى جانب إقامة النظام التوحيدي الإلهي. فالنظام العادل لا يقوم بالاكتفاء بالموعظة، بل لابد من إقامة مجتمع القسط، والدفاع عن هذا المجتمع وقيمه بإعداد القوة. فهذا الحديد (فِیهِ بَأْسٌ شَدِیدٌ وَ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ).
(وَلِیَعْلَمَ اللهُ مَن یَنصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَیْبِ) ليتبين الذين ينصرون الله ورسله بالإيمان بالغيب، فالله غيب، ومن لم يَرَ الرسول فإنه ينصره بالغيب.
(إِنَّ اللهَ قَوِیٌّ عَزِیز) ويلاحظ أن العبارات التي تُختتم بها الآيات كقوله سبحانه: (إِنَّ اللهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ) أو (وَكَانَ اللهُ قَوِیًّا عَزِیزًا) أو (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِیمٌ) وردت في سياق مضمون تلك الآيات وهنا قوله (إِنَّ اللهَ قَوِیٌّ عَزِیزٌ) للرد على من يخال أن الأنبياء قد لا يكونون قادرين على إقامة مجتمع القسط، لا، إن الله قوي، فلا تخافوا من المعارضين لدعوة النبوة. وهو عزيز. وقيل في العزيز إنه الغالب الذي لا يُغلب.
وأما سورة الأعراف فنقتطع منها ما يرتبط بموضوعنا في قوله تعالى: (وَاكْتُبْ لَنَا فِی هَذِهِ الدُّنْیَا حَسَنَةً وَ فِی الآخِرَةِ) هذا دعاء مؤمن أو مؤمنين. ويأتي الجواب:
(قال عَذَابِی أُصِیبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ) أي أصيب به من يستحق العذاب وفق المعايير التي قررها سبحانه.
(وَرَحْمَتِی وَسِعَتْ كُلَّ شَیْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ وَ یُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَ الَّذِینَ هُم بِآیَاتِنَا یُؤْمِنُونَ) ومَنْ هؤلاء؟ هم:
(الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الأُمِّیَّ) وقيل في الأمي هو الذي ينتسب إلى عامة الناس، وقيل الذي لم يعلّمه أحد، وقيل المنسوب إلى أم القرى.
(الَّذِی یَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِی التَّوْرَاةِ وَ الإِنْجِیلِ) فقد جاءت بشارة الرسول الخاتم في التوراة والإنجيل. وماهي خصائص هذا النبي؟
(یَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَ یُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّبَاتِ وَ یُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبَآئِثَ). فالمجتمع الإسلامي توفر فيه جميع ما يصلح فكر الإنسان وقلبه وروحه وجسمه من علم وتقوى وثروة، ويزول منه كل ما يسيء إلى الإنسان ويضرّ به.
(وَیَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) يضع عنهم ما كان يثقل كاهلهم من جهل وتقاليد وعادات خاطئة وأنظمة فاسدة غير إنسانية، وحكومات دكتاتورية مستبدة طاغية مستغلة.
(وَالأَغْلَالَ الَّتِی كَانَتْ عَلَیْهِمْ) وهذه الأغلال هي أغلال الرضوخ للمتغطرسين وأغلال استغلال الإنسان للإنسان، وذلك لا يتحقق إلا في ظل نظام إنساني توحيدي.
(فَالَّذِینَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ) أي عظّموه ووقّروه (وَنَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِیَ أُنزِلَ مَعَهُ) أي القرآن (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
والحمد لله رب العالمين.